– شُـعَاع:
“الحُريةُ ثمرةٌ نادرةٌ، تنبتُ على شجرةٍ نادرةٍ، اسمها الفهم[1]!” (ميخائيل نعيمه).
– مِــهَاد:
كانت مسألة الحرية ولم تزل، تثير المزيد من الجدل والمطالبات والكتابات شرقا وغربا، قديما وحديثا، مع تعدد المناظير؛ تارة سياسية، وتارة سيكولوجية، وأخرى سيسيولوجية، وتربوية، واقتصادية،…إلخ.
وفي الفكر العربي الحديث؛ كان العرب من أولئك الذين عشقوا الحرية، وأفاضوا في الحديث عنها إبان القرن العشرين، في جلساتهم، وندواتهم، ومؤتمراتهم، وفي صحفهم وبرلماناتهم، وتظاهراتهم، وفي أشعارهم، وأغانيهم، وإبداعاتهم،.. كونها مسألة عاشت في ضميرهم ووجدانهم طموحا وأملا، وامتدت إليهم من خلال طبيعة حياتهم العربية الأولى التي لم تكن تحدها حدود أو تسدها سدود. خصوصا وأن الذي ميزهم فيها[2]: امتداد صحراواتهم نحو الآفاق البعيدة، ووضوح سماواتهم، وانفتاح ثقافتهم الحديثة على العالم التي شكلت لهم صدمة حضارية. لا سيما مع بواكير كتابات رفاعة رافع الطهطاوي.
لقد أثار العرب مسألة الحريات قبل غيرهم من شعوب آسيا وأفريقيا[3] منذ القرن التاسع عشر الميلادي، سواء كانت تلك الحريات سياسية أم اجتماعية، أم ثقافية،.. خصوصا على أيدي المثقفين، والكتاب من أبناء النخبة التي تأثرت بالأفكار التحررية الغربية، وكان أغلبهم من المستنيرين الذين كانوا يتطلعون إلى إيجاد فرص جديدة للحياة المدنية الحديثة، وخلق بدائل حقيقية لما كان سائدا من المتوارث قديما. وكان لابد أن تجد تلك الأفكار الجديدة سبيلها للتحقق كما حصل في مجتمعات أخرى، استطاعت أن تؤسس جملة من المرتكزات والثوابت القوية في بناء حياة مدنية حديثة تستقيم مع طبيعة ما يجري في العالم كله.. ولــكن؟!
هل انطلقت فكرة الحريات عند العرب من أعماق الواقع المضني الذي عانى منه الناس بمختلف فئاتهم ونخبهم، ومستوياتهم، وشرائحهم…؟؟ أم أنها وصلتهم مستوردة كما هو حال غيرها من الأفكار التي وصلت العرب والمسلمين عندما بدأ احتكاكهم بأوروبا؟؟ دونما تفكيك لآليات التحرر.؟ وما هو الفرق بين الفكرة الأصيلة النابعة من صميم المجتمع، وبين الفكرة البديلة المستوردة عن الآخرين؟
بطبيعة الحال، استورد العرب وغيرهم من أبناء العالم الإسلامي الحديث، فكرة الحريات الدستورية-مثلا-، على غرار ما استوردوه من أفكار ومبادئ وأيديولوجيات، على امتداد القرنين الأخيرين.. وكان لابد أن يرسخوا القيم الحديثة كبدائل عن القيم القديمة التي عاشت عندهم زمنا طويلا بانقسام المجتمع إلى خاصة وعامة، وهم رعايا للدولة السلطانية التي عمرت طويلا باسم الشرعية التاريخية وتحت واجهة الدين دائما! ولكن ماذا حصل؟[4].
تشكلت أفكار المواجهة-التي تختبئ وراء ثنائية الشرق والغرب- على إثر هذه الدعوات التحررية في خطها العام بين الشعوب ذات المرجعية الإسلامية عموما، وبين أطياف أخرى كانت النخب إجمالا – ذات المرجعيات المختلفة فيما بينها، المتفقة على إدخال الجديد! وربما المصادم في كثير من الأحيان لثقافة هذه الشعوب-هي الوجه البارز في السعي إلى مزيد من المطالبات بالحريات التي اتشحت بثوب السياسي مرة، وبثوب الاجتماعي مرة، وبثوب الثقافي و الديني كثيرا؛ الأمر الذي يجعل من محاولة الكشف عن تبلور هذه المطالبات، والتحقيب الزمني لظهورها، وفحص إمكانات جدوى تحققها، أمرا لازما على الذوات المـفكرة في مصائر هذه المجتمعات، ومستقبلها في الخريطة الكونية، ودورها الوظيفي فيه؛ وهذا ما تسعى إليه هذه المحاولة الموجزة لفتح المزيد من سؤالات الحرية العربية الإسلامية، عبر إنارات النص الأصلي القرآني/النبوي، لمفهوم الحرية، وقسماته العامة النظرية، وتجلياته الوجودية، عبر مسارين:
1-المسار الأول: لحظة نشوء الإرادة الإنسانية، حدا، وغاية/ المستوى النظري.
2-المسار الثاني: لحظة تجلي الإرادة الإنسانية، واقعا، وأملا/ المستوى العملي.
1 • المسار الأول: لحظة نشوء الإرادة الإنسانية، حدا، وغاية/ المستوى النظري.
– الحرية مسؤولية، أم حق؟
كيف تعرف الحياة والعلم، والفن، والأدب،..والازدهار إذا لم تلمسها عصا الحرية المبدعة الساحرة؟ هل تصلح الحياة وتهنأ إلا في ظلال الحرية؟ وهل يسبح الفكر في عالم النبوغ والعبقرية إلا على أجنحتها؟ كيف يتذوق طعم الحرية من كان كالقطيع، يؤمر فيطيع؟…إن الشعوب التي آمنت بحقها في الحياة، وابتسمت للصعاب، هي التي ناضلت، وأتقنت “صناعة الحياة” في سبيل حريتها، وكرامتها، وأيقنت، وعرفت سلفا، أن طريق الحرية ليست مفروشة بالورود والرياحين، … هنا ندرك أن حرية التفكير مثلا -التي لا يحسن أكثر الناس تعاطيها ومع ذلك يطالبون بحرية الكلام بمقابلها- هي الأولى بالنظر والعمل. وقلب الأولويات يعد نوعا من التعويم الوجودي عزيزي القارئ.
إن التفكير العقلي جذر الحرية الأصيل، والحرية من هذا الجذر لا تتجزأ فإذا كانت سجينة، فكيف يتحرك العقل بحثا عن حياة أفضل[5].
قد خلق الله الخلق أحرارا من رق العبودية لبعضهم، فكيف يجعل الإنسان من ذاته ذاتا أخرى يكون عبدا لها، أليست هذه عبودية أخرى يستقيل فيها الإنسان عن إنسانيته؟!؛ وعلى دروب إخراج الناس من تعبيد بعضهم لبعض جاء الأنبياء والمرسلون والمصلحون، بالوقوف إلى جانب غريزة التوق للعيش بحرية تكفل لصاحبها حياة يتحرك فيها وينمو وجودا، ووجدانا، فالله متع الإنسان بالإرادة، وأقدره على حرية الاختيار، فبوسعه أن يستعين بهما في نطاق التصرفات التي مكنه من ممارستها، أي: في نطاق شؤونه الاختيارية[6]، وقد سمى القرآن توجه الإنسان باختياره، إلى عمل ما”كسبا”؛ والثواب والعقاب منوطان بهذا الكسب الذي هو من شأن الإنسان، وهو صاحبه، والمسؤول عنه، وليسا منوطين بعين الفعل الذي هو من خلق الله[7].
وعند البحث عن التصور القرآني لمسألة الحرية الإنسانية وحدودها، نجد أننا عبر مستويين نتلمس خطها المضموني العام:
أولا: الخط اللساني/الاشتقاقي.
وثانيا: الخط المفاهيمي/ النسقي.
1 – أما ما يتعلق بالمدلول اللساني/الاشتقاقي: فإن مفردة” الحرية” هكذا مجردة فإنها لم ترد في حدود معرفتي، وإنما الذي ورد هو جذرها في ثلاثة اشتقاقات :” تَحْرِيرُ“[8]، و”مُحررًا“[9]، و”الحُر“[10]،
وكلها تشير إلى معنى ضد القيد، والاستعباد البشري[11]، والخروج من الرق. فالحرية حتى في هذا الجذر المعنوي اللغوي تشير إلى حدودها بذاتها من خلال ارتباطها بالحق، والخير! وهذا المدلول اللغوي له بعده الجلي في:
المدلول المفاهيمي/ النسقي[12]:إن كلمة “حرية” جارية على ألسنة عرب اليوم، ومفهومها غير واضح للأسف، وغير راسخ ومكين، وواقعها غير محقق في سلوكهم[13]؛ بيد أننا لو دخلنا مباشرة، ولو قليلا، بين آيات القرآن الكريم لوجدنا أن مسألة”الحرية”الإنسانية، تتداخل بشكل واضح وصريح في عملية تكوين الأفعال، والأحداث بكل تجلياتها التاريخية، فهي-“الحرية”- في مداها البعيد جزء من إرادة الله في خلق الأفعال والأحداث، لأن الله فتح الحرية للإنسان ابتداء لكي يصنع تاريخه الفردي، والجماعي، اعتمادا على ما ركب في وجوده من قوى العقل المدرك، والروح المنفعلة، والحس المتحرك؛ والإنسان بدوره عندما يستخدم حريته في صياغة أي حدث وتوجيه مصيره، إنما يعتمد على مقدمات لا يمكنه بأي حال الاستغناء عنها:الزمان، المكان، ثم القيم والنُّظم والأعراف والتقاليد، مهما كانت نوعيتها سماوية أو مشتركة إنسانية أو اجتماعية..، من هنا كان التسليم بسلطة الله العليا، وبحرية الإنسان أمران متلازمان في القرآن الكريم، لذا يعرض لنا القرآن الكريم نماذج من الفعل الإلهي الذي يتحقق من خلال الإرادة الإنسانية الحرة، بمعنى أن حرية الإنسان تمثل محورا لتلك القضية، أو الحدث التاريخي، في إطار هذه السلطة”المشيئة”الإلهية المتعالية، والشاملة[14]؛ نأخذ منها نموذجين سننيين:
_النموذج الأول: في التغيير الذي يتحقق بإرادة الله ومشيئته، بعد تحقق شرطه من إرادة ومشيئة البشر، وحريتهم في التغيير، كما في آية: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الرعد:11)، وآية: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأنفال:53).
_النموذج الثاني: في فعل حرية الإنسان في الفعل عندما يكون الأساس الذي تترتب عليه المشيئة الإلهية، فتأتي المؤثرات الخارجية طبقا لتلك التجربة ومواصفاتها لا خارجة عليها، ولا غريبة عنها، كما في آية:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ َكْسِبُونَ)(الأعراف:96).
إذن من خلال ما تقدم يتضح لنا أن دائرة حرية الإنسان تقع ضمن دائرة “العدل الإلهي”، ومقاييس الثواب والعقاب، فالرحمة التي تنزل على الفرد أو الجماعة إنما تكون ضمن حدود فاعلية ذلك الفرد أو تلك الجماعة، أي أن هناك مسؤولية شخصية، ومسؤولية جماعية، وطبيعي جدا أن المسؤولية لا يمكن أن يتحملها إلا الشخص الذي يكون مختارا، وحرا، وقادرا، على أن يتحرك بحرية داخل نطاق تلك المسؤولية، فكثيرا ما تنتهي الآيات القرآنية بعبارة: ( بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )(المائدة:14)، تعقيبا على الجزاء الذي يلحق أمة أو جماعة.
إذن هناك عدة إحتمالات على الساحة الكونية يختار الإنسان ما يتناسب مع إرادته، وإمكاناته، ومواصفاته الذاتية، ثم يأتي(القدر) الذي هو الجزاء- فهو لا يأتي على شكل ضربة مفاجئة- بل يرتبط أساسا ارتباطا منطقيا بمفهوم العدل، وسنن الثواب والعقاب الرباني-كما في آية ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (الإنسان:3)-. وهكذا نشاهد أن التعاليم القرآنية كلها مبنية على أساس مسؤولية الإنسان على نفسه(وكل آتيه يوم القيامة فردا)[15]، فلو لم يكن حرا لما عاقبه على ما لايستطيع.!. وإنني لأعجب من تطابق اسم السورة (الإنسان) مع مفهوم فسح طريق الهداية الاختياري، لكأنها إشارة مباشرة بنسقية بديعة لجنس الإنسان أن يكون حرا وكفى بحرية تستمد حريتها ممن وهبها إياها!.
إلا أننا يجب أن ندرك صفات تمايز الإرادة والحرية الإنسانية مع السنن الربانية، وسلكها التراتبي في قائمة ثلاثية متمايزة:
– الحقيقة الأولى: أن السنن/النواميس/القوانين ذات طابع استمراري.
– الحقيقة الثانية: أن تجليات هذه النواميس في الحـراك التاريخي وقوانينه ذات بعد غيبي -مع تاريخانيتها التحققية في عالمنا النسبوي- وهي ليست في الحقيقة سوى تعبير عن إرادة الله، وتجسيد وتحقيق لقدرته في التاريخ، فهي “كلمات الله” وقوانينه، وإرادته، وحكمته…ضمن شروط تاريخيتنا.
– الحقيقة الثالثة: وهي التي ضربنا لها بمثالين سابقين، هي حقيقة اختيار الإنسان في عملية صنع الحدث التاريخي، وهذا هو محلها في هذا الهرم الثلاثي.
وبذلك نتبين حد، وغاية، الحرية والاختيار الإنساني بمنطقهما القرآني، وأن لحظة الحرية الإنسانية هي الساحة التاريخية كلها، فهما ليستا معطلتين، فالقرآن يسند دورا إيجابيا للإنسان في العمليات الوجودية، ويحمله مسؤولية أي فعل يقوم به سلبا أو إيجابا. وبناء عليه يتضح أن القضاء الإلهي ينقسم إلى قسمين:
1 – القسم الأول: هو القضاء الذي أخبر الله به أنبيائه، ورسله، بأنه سيقع حتما.
2 – القسم الثاني: هو القضاء الذي أخبر به أنبياءه ورسله بوقوعه، ولكنه موقوف ومتعلق على شيء ما.
فالأول لا دخل لإرادة الإنسان وحريته فيه، فتبقى حرية الإنسان وإرادته، شرطا يتوقف عليه الفعل الإلهي من النوع الثاني، أي النوع غير الحتمي، الذي سبقت البرهنة عليه[16].
وبهذا يتبين أن الأمانة التي حملها الإنسان،- (إنَّْا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) ( الأحزاب: 72).-كانت عن حرية مسؤولة، حيث خرج من بين سائر المخلوقات رافعا راية قبولها، عن اختيار، وحرية[17]. لـتصبح هذه الحرية أمانة، والأمانة التي تحملها بكامل إرادته حُرية! فـ الأمانة هي الحرية، والحرية أمانة، والأمانة مسؤولية!!!
وفي الآية: (إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)( النساء: 58). والإنسان خليفة الله في أرضه، باختياره مسؤولية الحرية، اختاره الله لهذا المعنى الرفيع، اختاره الله لجدارة الإنسان بها، والله أعلم حيث يضع رسالته[18].
هذا ما يتعلق بمفهوم الحرية الداخلية /والمستوى النظري: أو حرية الإرادة والاختيار الباطني عند الإنسان: وهي التي دار البحث حولها من قبل علماء ” علماء الكلام الإسلامي”، والفلاسفة، والمفكرين الإسلاميين، وغير الإسلاميين، وانتهى البحث فيها إلى مذاهب وآراء شتى[19].
2• المسار الثاني: لحظة تجلي الإرادة الإنسانية، واقعا، وأملا/ المستوى العملي:
تمثل حرية الفكر، آلية عمل العقل ومعالجته لأمور الحياة، بكل ما يشمله ذلك من تشكيل للوعي الجمعي للأمة، وصناعة الثقافة. فالحرية، ليست حرية الفرد، فيما يخص نفسه، وأفكاره الخاصة فحسب، بل هي حرية المبدع والمثقف والفنان والكاتب والعالم، فيما يخص دورهم في حياة الذات الكلية للإنسانية.
والواقع، أن مناقشة قضية حرية الفكر، ومفهوم الحرية عموما، حتى كفكرة فقط تشكل منطقة حساسة، وخط يجب التوجس منه عند شرائح عريضة في بلاد العروبة والإسلام، وما يحدث في الواقع، يبدو من قانون التاريخ. فالاحتراب، والطائفيات، والفئويات،، تدفع الإنسان لإظهار ميكانيزمات دفاعية نفسية عديدة، سيما وأنه قد تحول إنسان التراث إلى صناعة أسلحة إيديولوجية عبر السنين في وجه القوى المعادية له. ولكن مرحلة التمترس النفسي، لا تشيد ذاتا ناهضة مبادرة. وحتى ندخل إلى مرحلة البناء الحي، نحتاج إلى وقف عقلية الاحتراب. وأنا أُرجع سبب هذه الحساسية إلى عدة أسباب أهمها هو الوضع العام للمجتمعات العربية والإسلامية، حيث أنها في وضع متأخر، عن صنع الحياة المعاصرة، ناهيك عن النهش من جسدها المادي/ استعمارا، واستبدادا، والنهش من جوهرها الرمزي/ تقليدا، واحترابا، وتنميطا، وأدلجة، هذا ما يجعل تناول موضوع الحرية بالتحليل… يُدخلنا مباشرة في صراع بين فريقين، فريق يقبلها باسم اليسار والتحديث والعلمنة… وفريق يفرض عليها قواعد الحلال والحرام بالقانون الفقهي الإسلامي، فيقضي على جوهر القصد التحليلي مسبقا. ولكن هذا الصراع الثنائي المفترض ـ في تصورنا ـ هو أحد تجليات القضية، ولكنه ليس كل شيء. بل هو في الواقع تصور متحيز، يجعل الحرية إما أن تكون منطوقاً علمانياً، ومنعها منطوقاً إسلامياً، وهذا غير صحيح بالمرة.
ومن خلال الاعتراف بأن للمجتمعات العربية والإسلامية انتماؤها الحضاري، نعرف ضمناً أن هذا الانتماء لا يعني فكراً واحداً، ولا يجب أن يعني ذلك. فمن خلال الحضارة الإسلامية كإطار مرجعي، تخرج أطر وتيارات متعددة، لكل منها رؤيته الخاصة، ولكنها جميعاً تنبع من سياق المرجعية الحضارية الإسلامية. وتعدد هذه الرؤى، ليس حقاً، بل هو فرض، وأيضاً واجب.
فأية رؤية إسلامية، دينية أو حضارية، تحاول أن تقدم نفسها باعتبارها الخيار والحق الوحيد، هي رؤية تخرج عن قيم الحضارة الكلية. فالأصل أن التعدد ليس فقط مقبولاً، بل هو أيضاً طبيعي، وبالتالي، فإن الفكر الواحد غير طبيعي، ومنافٍ لفطرة الأشياء ونواميس الوجود الإنساني. ومن هنا تظهر أهمية حرية الفكر والإبداع، باعتبارها أدوات مولدة للتعدد، المفضي للإثراء، والمحقق للازدهار من أجل إسعاد الذات الكلية للإنسان.
ومن الطبيعي أن كل أشكال الإبداع، تعبر دائماً عن انتمائها الحضاري غالبا، وتقوم بوظيفة اجتماعية، تجاه هذه الأمة أو تلك. والفكر حر، -لأنه محاولة لفهم وجود حضاري عربي إسلامي- حري به أن يطرح رؤى لها ومنها، وتصور بدائل لمستقبلها. وعندما تمارس نخب الإبداع حريتها، فإنها تنتج أفكاراً مقبولة وأخرى مرفوضة، وسيرورة المراجعات الدائمة هي التي تقرر صلاحية هذه الرؤوى عن تلك. وبذلك يتم فرز الأفكار والرؤى، النافع منها والضار.
بهذا المعنى، نؤكد أن الجمود المعادي لحرية الفكر، ينتج من عقلية الاحتراب الثقافية بين فريقين. وفي نفس الوقت، فإن هذا الجمود، سلوك دفاعي، لا يقيم نهضة. فإذا ركزنا نظرنا على النهضة الحضارية الإسلامية، نجد أن آليات حرية الفكر والتعددية، هي جوهر هذه النهضة. لذلك فالجمود الفكري، المدافع عن تراث الأمة، هو حرب ضد خصومه من الناطقين باسم العلمانية، وضد الهجوم على التراث، وضد التغريب، وضد ضياع قيم الأمة ومقدساتها، وفي نفس الوقت، هو فعل معيق للنهضة[20]!.
إذا أدركنا الحقل الاجتماعي الفكري لتناول موضوعة الحرية، نعرف أكثر، سذاجة حصر تجليات ما يوصف بأنه دعوة للحرية، أو وقوف ضد دعاتها، في شكليات وجودية، لتفرعات ثقافية دينية” اللحية، الثوب، الجلباب…”، أو ثقافية” أدبية[21] “شعر، قص، وفنون…”، أو اجتماعية” المرأة، الجنس، الاختلاط،…” أو سياسية” مساءلة، شفافية، نقد، تكوين أحزاب، تكتلات، مؤسسات مجتمع مدني، دستور، …إلخ، مايجعل الصراعات الاجتماعية في مجتمعاتنا، تكشف عن نفسها أكثر، هل هي تعبر عن ذاتها فعلا أم لا؟!.، وعلى أساسها يحاول فريق اجتماعي أن يؤكد هيمنته، أو يوسعها على حساب الفريق الآخر. فهو يسعى إلى مد حقل نفوذه أو تقوية قبضته في النظام الاجتماعي بالعمل على المبالغة في أهمية النمط الأساسي الذي يتماهى معه سياسيا، أو دينيا أو أخلاقيا، أو علميا. وهو يضفي على هذا النمط في مواجهة الأنماط الأخرى طابعا شموليا، إنسانيا، أو علميا، يجعل منه مركز توازن النسق الثقافي بأكمله، وهذا يعني أن كل نمط ثقافي يترجم نوعا من الحساسية الاجتماعية التي تزداد فاعليته، وتأثيرا بازدياد الدور الذي تلعبه الفئة التي تحملها، والمكانة التي تحتلها في عمود النظام الاجتماعي[22]، وتقاطعها ومناوراتها مع السياسي، الأمر الذي يجعل من حريتها حرية القوة، لا قوة الحرية-غالبا!
إلا أن باحثين كثر يرون أن الواقع السياسي، بانعكاساته الاجتماعية، والفكرية، والاقتصادية، هو مفتاح القضية ولب الموضوع، وهذا الواقع السياسي تلخصه كلمتان اثنتان: الحرية، والديمقراطية، حيث أنهما المعيار الذي يقاس به الازدهار في مجتمع ما وانحطاطه، وهذا الصنف من الباحثين لا يفسرون الحرية بالإباحية الأخلاقية، والفوضى المادية-ما أسميه بـ المعنى الشعبي للحرية-، فالمهم هو المعنى والقيمة التي تحقق للأمة مكانها برؤيتها، ومنطلقاتها الحضارية، وعموماتها الإنسانية المشتركة، فإن العمل الإسلامي لا يمكن أن يؤتي ثماره في غَيبة الحرية، ويمثل هذا الرأي شريحة ناقدة لعوامل التشوه في مفهوم الحرية من مثل جماعات الغلو، وتكفير المجتمع، والتشنج والهلوسة باسم الدين، ويرون أن أحد أسباب ظهور هذه الدوائر العنيفة، لم تظهر إلا في مرحلة صودرت فيها حرية العمل الإسلامي الشرعي، ضمن إجراءات أخرى استهدفت مصادرة حرية التعبير والتفكير، فلا مكان للحرية العقلية، بدون توفر الحرية السياسية برأيهم[23]. ومع ذلك لا يرون أن الحرية -بهذا المفهوم- تمثل حلا سحريا لجميع المشكلات التي تراكمت، وتقاطعت مع أزمات أخرى، ولكن لابديل عنها، إذ أنها شرط ضروري، ومدخل رئيسي لكل عملية تحديث سياسي[24].
نحن أما قائمة من التجليات الحية في مطالبات الحرية الإنسانية بوجهها العالمي، والذي تمثل لحظة التجلي العربي والإسلامي فيها مقطعا من سنفونية طويلة، ومشهدا من لوحة فسيفسائية كبيرة، يمكن تقريبها في الجدول التالي:
خريطة الحريات في الدولة الحديثة[25] كما يلي:
ويمكن أيضًا تقسيمها بشكل مختلف كالتالي:
إذا تصورنا ممارسة الحرية بأنها فعل متجاوز للضوابط والمعايير، والقوانين،ـ أو أنه فعل مسموح به قانونا، وغير خاضع للأعراف، فإن ذلك التصور، مفض بلا شك للفوضى والعبث،وهذا يطعن صميم الحرية بوصفها مسؤولية-كما تحاول المقالة مقاربته- لأن ممارسة الحرية لا تعني السلوك الحر، في فضاء غير محدد المعالم، فأي سلوك مرهون بالبيئة، والمواقف المحيطة به، ورهانات النسق والسياق، بل إن السلوك يكتسب دلالته مما يحيط به من نسق وسياق، وعندما نتكلم عن حرية الفرد، فإننا ندرك بالتالي، أن فعله يسير خلال سياق محيط، وكلما جعلنا حرية الفرد مطلقة، سحبنا من حرية السياق المحيط به، وتلك هي القاعدة الأولى للحرية، لأن المساحة المتاحة للفرد، أن يتحرك فيها بحرية، هي المساحة، التي لا تؤثر على حريات الآخرين-في أحد شروطها-.
والمشكلة لدينا أننا تصورنا التقدم الغربي، بوصفه نتاج فعل الحرية المطلقة، بدون تحقيق شروطها الإرادية المسؤولة، وادعى البعض منا-هذا الأمر غير صحيح- حتى في الغرب نفسه، لأن تنظيم الحريات شرط للممارسة الحرية! أي تحديد معالم المسؤولية. فالتنظيم الإنساني فاعل بأدوات عدة، من خلالها يفرض الاتفاق العام للمجتمع، على المجتمع، فمثلا نجد في الغرب الآن موجة تشويه صورة المسلمين هي أشبه بالاتفاق الإعلامي العام، من خلال سيطرة وسيط وسائل الإعلام، ومداعبة بعض العنصرية في الوجه المتشدد من العالم الغربي، لذلك فإن أية رسائل تخرج من غربيين، (بالغين المعجمة)، تظهر اقتناعها بتسامح الإسلام، وتؤكد تعاطفها مع العرب والمسلمين، فإنها ستواجه بضغوط شديدة، تجعلها لا تجد طريقها للعقل الغربي، وربما تجد طريقها للعقل العربي والمسلم فقط.!
لذا في الغرب ممارسة لنوع من “الضبط الاجتماعي” عبر وسيط الإعلام من خلال الأفراد، والمؤسسات.
وتلك هي القضية المحلية عندنا، لأن الفرد لا يملك حقوق تتجاوز الأمة. والجماعة أيضا لا تملك حقوقا تتجاوز الأمة، وبالتالي فإن المسموح للفرد هو تلك المساحة التي لا تتجاوز اختيار الأمة الطبيعية[26] التي لا تجتمع على ضلالة-كما يفيده منطوق الحديث النبوي المعروف-، وبالتالي يصبح الفعل المتعين هو فعل التواصي بالحق المعرفي والصبر العملي.
وما نبحث عنه هو التوازن، الذي يعطي الأمة حقها، في إعلان ثوابتها، وحقها في ممارسة الضبط الاجتماعي، وقصر القانون على مجاله، والمشكل أن دعاة اليسار-غالبا- لدينا يهاجمون أية محاولة للأمة لتمارس دورها في هذا الضبط الاجتماعي لأن الدعوة للحضارة الغربية، ليست فقط تخرج عن العرف والثوابت، كما يتصوره متهوري الحديث باسم الثوابت، بل إنها تخرج عن هوية الأمة ككل، لذلك كانت رسالة اليساريين في تحييد أمرين: القانون، والضبط الاجتماعي، وهو أمر لن يتحقق!.
وهذا الموقف لايقل خطورة عن مواجهة كل خروج عن العرف بالقانون، وكل تجاوز للثوابت بالقانون، لأن هذه الدعوة تحول الضبط الاجتماعي، إلى القانون، وهنا نتعرض لقضية هامة جدا، وهي تحويل ثوابت الأمة إلى مقولات، تتبناها سلطة، أو فئة، وهو أمر مناف لدور الأمة، التي تتسم آليات إجماعها واتفاقها دائما بالرحابة، لأنها اتفاقات ضمنية، وليست نصية[27] تتحول فيما بعد إلى صنم وعِجل يُعبد!. وهذا بدوره يتطلب مساحة من حرية الرأي والنقد، تعد بحق مدخلا لوحدة كيان هذه الأمة، وذلك بما تحدثه في العقول من خصائص منهجية مشتركة، تتكون بالتلالقي والحوار والتبادل، والتداول، تنشأ عنها وحدة بالمعنى المنهجي[28]، فتكون هذه الحرية الرؤيوية، والنقدية مقدستين[29].
إننا نعيش أزمة مفهوم الحريات، لأن وكلاء الغرب يميلون للتفريط في مقدسات الأمة، واستخدام”الحرية” ضد ثوابتها، لزرع مقدسات مستوردة، ولأن وكلاء التراث من جماعات العنف، يميلون للدفاع عن المقدس بفرضه الصوري، دون وجود فرصة لتفاعله الكوني الوجودي، وتقويته بالإبداع الخلاق عالميا[30].
خـاتمـة:
الحرية في المنظور الإسلامي-كما أفهم- مسؤولية؛ لا تعني بأي حال من الأحوال، تحرير الغرائز والشهوات من ضوابط الشرع، والعقل الإنساني، وإنما هي تحرير الإنسان من كل الكوابح والمعوقات، التي تحول دون تأدية أدواره أو القيام بوظائفه الخاصة والعامة، وقاعدة التقوى، وقاعدة توفير المصالح، وحقل الإباحة العام الذي يمارس فيه الإنسان نشاطاته العمرانية، والوجدانية، هي سياجات عامة تكفل له حريته.
فالحرية وفق هذا التصور، هي ثمرة عبودية وحيدة، يرتبط بموجبها الإنسان بالله المصدر الأول للكون والحياة. ولمّا كان الإنسان موضوعاً خصباً لأشكال لا تنتهي من العبوديات المختلفة، تعرض وما زال يتعرض لها منذ أقدم العصور البشرية حتى عصرنا، وسوف يستمر هذا التعرض ما دامت الحياة قائمة،. و قيم الدين في هذا الإطار، توفر الشروط النفسية والسلوكية للانخراط في مشروع تجسيد الحرية، وإنجازها في الواقع المجتمعي والإنساني. فالرؤية الدينية تتجه صوب الإنسان، لتوفر له المناخ النفسي والوجداني والعقلي المحقق للحرية، بالحرية المسؤولة. والحرية الحقيقية للإنسان تبدأ حينما يثق الإنسان بذاته وعقله وقدراتهما، وهنا تبدأ المسؤولية. وذلك لأن التطلع إلى الحرية دون الثقة بالذات والعقل، تحوّل هذا التطلع إلى سراب واستلاب وتقليد الآخرين دون هدى وبصيرة. لذلك فما لم يكتشف الإنسان مسؤوليته تجاه ذاته ويفجر طاقاته المكنونة، لن يستطيع اجتراح تجربته في الحرية، وبناء واقعه العام على قاعدة الديمقراطية والشراكة الكونية بكل مستوياتها. ولو تأملنا قليلاً في مضامين الحرية الإنسانية، لوجدناها حقائق جوهرية في مفهوم العدل والعدالة، وهكذا نجد أن كل تجليات مفهوم الحرية، ترجع في جذورها العميقة والإنسانية إلى قيمة العدالة، والعدالة لا تكون إلا من حس بـ المسؤولية. فهي طريقها إلى كل الفضائل[31]. ولا حرية خاصة أو عامة دون عدالة مسؤولة في حقول الحياة المختلفة.
ولعلي أختم هذه الإطلالة الموجزة حول الحرية بموقف، لأحد فلاسفة الصين القدماء، ( سنة 845 قبل الميلاد)، أي مُنذ حوالي ثلاثة آلاف سنة تقريبا، وفيه خلاصة لحكمة صينية راقية، تنظر إلى الحياة على أنها” وحدة متكاملة” حيث تتصل تفاصيل الحياة ببعضها أشد الاتصال، يقول الفيلسوف الصيني” جاو “، في خطاب ألقاه بين يدي الإمبراطور ” لي وانج “، وتاريخ الخطاب، هو كما أشرنا، سنة 845ق،م – :
” يعرف الإمبراطور كيف يحكم إذا كان الشعراء أحرارا في قول الشعر، والناس أحرارا في إسداء النصح، والفقراء أحرارا في التذمر من الضرائب، والطلبة أحرارا في تعلم العلم علنا!! والعمال أحرارا في مدح مهاراتهم، والسعي إلى الحصول على العمل الذي يناسبهم، والشعب حرا في أن يتحدث عن كل شيء، والشيوخ أحرارا في تخطئة كل شيء!“أ.هـ[32] .
تلك بعض قطرات من نهر الحكمة الصينية القديمة، الذي يحاول أن يحصل على سفينة الإنسان في هذه الحياة إلى النور والسعادة، وراحة البال، والعدالة، والحرية، والالتفات إلى جمال الدنيا البسيط، والغزير، حيث لم يعد إنسان العصر الحديث يلتفت إلى هذه المعاني، أو يهتم بها، لماذا؟… ومن هنا كان التعب واضطراب الأعصاب، والإحساس الدائم بالتوتر وفقد الأمان[33]!.
الحرية في المحصلة شرط أساس لإبداع الإنسان، وكشف كل ما هو جوهري ويساعد على تنمية جوهر إنسانيته، وهذا لن يتحقق إلا بوعينا لذاتنا، وممارستنا العقلانية القائمة على الوعي، ومسؤوليتنا تجاه ذاتنا والآخرين معا[34].
==========
* إحـــالات:
[1] رضا ديب، سنابل الحكمة، ص305
[2] كما يفيده درس النقد الثقافي. القبيلة والمجتمع: لغة الصمت (مقال) عبد الله الغذامي، صحيفة الرياض السعودية، 24/04/2008م.
[3] كما يراه المؤرخ و المفكر د. سيار الجميل، في كتابه: العولمة والمستقبل، استراتيجية تفكير من أجل العرب والمسلمين في القرن الحادي والعشرين، ص411. بتصرف.
[4] المصدر السابق، ص411-412.
[5] سنابل الحكمة، رضا ديب، ص 304-310 .بتصرف.
[6] شغلت قضية التسيير والتخيير الإنساني حيزا كبيرا في الفكر الفلسفي والكلامي العربي والإسلامي، نتج عنه ثلاثة آراء حيث وقف المعتزلة إلى جانب الاختيار المطلق، والجبرية إلى جانب التسيير المطلق، وتوسط الفكر السني بينهما. وهذا مبحث كلامي طويل ليس موضع المعالجة هنا، ولكنه وارد.
[7] انظر: الإنسان مسير؟ أم مخير؟، محمد سعيد رمضان البوطي، ص 233-234.
[8] الآية (92) من سورة النساء. ونصها: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ).
[9] الآية (35) من سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
[10] الآية (178) من سورة البقرة( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بالأُنثَى)
[11] المفردات، للراغب الأصفهاني، ص 224-225.
[12] اختلفت التعريفات الإجرائية لمفهوم الحرية في المعاجم الاجتماعية والفلسفية، إلا أن اختلاف التعريفات راجع إلى طبيعة التطبيقات المختلفة في أحد المجالات، التربوية، القانونية، النفسية، السياسية،… والقيود التي يراها أصحابها ذات أهمية. فمثلا في الميدان الأخلاقي/ العرفاني الوجداني الحرية هي: الخروج عن رق الشهوات، وفناء الإرادة في إرادة الله، كما يقول الجرجاني في تعريفاته؛ انظر: المفردات، للراغب الأصفهاني، (ص: 224-225). وفي الميدان النفسي، هي: القدرة على تحقيق الفعل دون خضوع لتأثير قوى باطنة، سواء أكانت البواعث motifs أم الدوافع mobiles، وفي الميدان القانوني، هي : القدرة على تحقيق فعل أو امتناع عن تحقيقه، دون خضوع لأي ضغط خارجي، انظر: المعجم الفلسفي، مراد وهبه، (ص: 287-288). وفي الميدان التعليمي التربوي الإبداعي يشير كين روبنسون، في كتابه : صناعة العقل، (ص:129)، إلى أن من جملة التصورات الخاطئة حول مفهوم الإبداع توهم الحرية المطلقة!! ويضرب مثلا بالطفل الذي إن تُرك على طبيعته، يفعل مطلقا ما يحلو له من عبث وتخريب، دون محاولة الضبط، والتأنيب اللطيف، بحجة تنمية روح الإبداع لديه، فإنها ستؤدي إلى نتائج سلبية! والمهم هو طبيعة الشيء الذي يجب أن تلتزم به هذه الحرية وقيمته! والاهتمام بهذه النقطة هو الذي يحدد سلبية وإيجابية النتائج، مع الاعتقاد المسبق بأن العفوية، والحرية، ضروريان للحصول على دفق الأفكار والتخيلات.
هذا على مستوى بعض التخصصات والحقول المعرفية، أما على المستوى الفردي الفكري لرموز الفكر العالمي فإننا نجد أن الأمر هو هو نفسه من الغائية في ذات المقدم للتعريف، فالفيلسوف الألماني كانط، يرى أن الحرية هي: ” عبارة عن استقلال الإنسان عن أي، شيء إلا عن القانون الأخلاقي“. فهو لم يكن يرى أن الحرية مستغنية، عن أعمال القانون الأخلاقي، بل كان يرى أن رعاية القانون، الأخلاقي أمر ضروري في تحقق الحرية المقبولة. حتى: جون ستيوارت ميل، يقول: “إن الحرية عبارة عن قدرة الإنسان على السعي، وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة أن لا تكون، مفضية إلى إضرار الآخرين”. وذلك لأن، الحرية التي تكون متزاحمة ومصالح الآخرين ليست في نظرة حرية مقبولة عقلانيا. انظر: عن الحريــة لـ جون ستيوارت مل، الهيئة المصرية للكتاب – سلسلة القراءة للجميع – ترجمة عبد الكريم أحمد، د. محمد أنيس مراجعة، (ص: 72، 74). و انظر: الحـــرية بين الحـد والمطلق، سري نسيبة، ( ص: 30-31). فوجود الناس جميعًا بإرادة مطلقة لكل منهم على السواء، مستحيلة فرضًا، ومستحيلة وجودًا. والسعي وراء هذا الوهم، هو سعي لتحطيم الفرقان، والوجدان، والأديان! والعمران. فالحرية المتعقلة متصورة في العقل، كما جاء بها النقل. وهنا أنبه إلى أنه يجب التأكيد على أن الحرية لا ترادف اتباع الهوى، فلا يوجد أعداء أخطر على الحرية من تقي جاهل، أو عالم فاجر.!
[13] مفهوم الحــرية، عبد الله العروي، ص 105 .
[14] ولعل الدخول في الإيمان والارتقاء إلى درجة توحيد الألوهية والربوبية، التي تراكمت ثمراتها في التجربة المحمدية، وأصلتها في الرؤية الإسلامية، هو الذي يشكل المصدر الأساس للحرية، سواء بالنسبة للذكر أو للأنثى، على حد سواء . من فقه الحالة، عمر عبيد حسنه، ص 107.
[15] دراسات قرآنية حول الإنسان والمجتمع، حسن سلمان، ص 164-173.بتصرف.
[16] م.س، حسن سلمان، ص 174-176.بتصرف.
[17] زاد المسير، لابن الجوزي، 6/428.
[18] الحرية.. تكليفات وليست حقوقا ، نشأت جعفر (بحث)، موقع” إسلام أون لاين” نت”، 28/11/2004م. بتصرف.
[19] الحرية.. واحترام إرادة الإنسان، (مقال) عن: مبادئ النهوض الاجتماعي، مطبوعات البلاغ” نت”.
[20] المقدس والحــريــة، رفيق حبيب، ص 34-41 . و حرية الفكر في الواقع العربي المعاصر، (مقال)، موقع: البلاغ” نت”.
[21] انظر مثلا: الحالة المصرية، وسجالات الثقافي الأدبي، مع الديني، ومناورات السياسي، ثقافة كاتم الصوت، حلمي سالم، سلسلة: مبادرات فكرية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ط، الأولى: 2003م. وقارن بين الحالة الثقافوية العربية، في دعوات الحرية مع الحالة الغربية، ما كتبه: رمسيس عوض، في: كتابيه(الإلـحاد في الغرب) و (الـهرطقة في الغرب)، سيناء للنشر، القاهرة، مصر، و مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان. وغيرهما .
[22] اغتيال العقل، برهان غليون، ص 91. العرب وتحولات العالم، من سقوط جدار برلين إلى سقوط بغداد، برهان غليون، ص 165-166.
[23] القرآن والسلطان، فهمي هويدي، ص 20-26؛ الحرية أولا وأخيرا، الحبيب الجنحاني، (مقال)، مجلة العربي، عدد561 ص 122.
[24] الحرية أولا وأخيرا، الحبيب الجنحاني، (مقال)، مجلة العربي، (عدد561 ص 127 .
[25] الحرية.. تكليفات وليست حقوقا ، نشأت جعفر (بحث)، موقع” إسلام أون لاين”نت”، 28/11/2004م. بتصرف.
[26] المقدس والحــريــة، رفيق حبيب، ص 45-46 .
[27] م.س، ص 47 .
[28] دور حـــرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين، عبد المجيد عمر النجار، ص 85-86 .
[29] حرية الرأي، وحق النقد مقدسان، (مقال)، أبو يعرب المرزوقي، موقع “جدل”نت”، 23/سبتمبر/2007م.
[30] المقدس والحــريــة، رفيق حبيب، (ص: 47 ).
[31] في معنى الحـرية (مقال مطول)، مجلة الكلمة– “نت”.-عن موقع جدل“نت”، 16/3/2006م.
[32] أهـمية الحياة، الفيلسوف الصيني، لين يوتانج، ترجمة: خيري حماد.
[33] مطالعات وتـأملات، المرحوم: رجاء النقاش، ص 187-188.
[34] المرأة بين سلطة الذكورة ووعي الضرورة، (مقال) عدنان عويّد، صحيفة المثقف “نت” (العدد: 2708 الاثنين 03 – 02 – 2014م).
=================
* مـراجــع:
1- المقدس والحــريــة، رفيق حبيب، دار الشروق المصرية، ط، الأولى: 1998م.
2- الحــرية في الإسلام، علي عبد الواحد وافي، سلسلة: اقرأ، دار المعارف، مصر، 1968م.
3- دور حـــرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين، عبد المجيد عمر النجار، سلسلة أبحاث علمية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط، الأولى: 1992م.
4- الحـــرية بين الحـد والمطلق، سري نسيبة، دار الساقي، لبنان، بيروت، ط، الأولى: 1995م.
5- مواكب الحــرية في مصر الإسلامية، محمد عبد المنعم خفاجي، دار ممفيس للطباعة، مصر، ط، الأولى.
6- مفهوم الحــرية، عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط، الخامسة: 1993م.
7- العولمة والمستقبل، استراتيجية تفكير من أجل العرب والمسلمين في القرن الحادي والعشرين، سيار الجميل، الأهلية للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، ط، الأولى: 2000م.
8- هروبي إلى الحــرية، علي عزت بيجوفيتش، ترجمة: إسماعيل أبو البندورة، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط، الأولى: 2002م.
9- الإنسان مسير؟ أم مخير؟، محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر الدمشقية، و دار الفكر المعاصر البيروتية، ط، الثانية: 1998م.
10- اغتيال العقل، برهان غليون، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط، الرابعة: 2006م.
11- الإلـحاد في الغرب، رمسيس عوض، سيناء للنشر، القاهرة، مصر، و مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، ط، الأولى: 1997م.
12- الـهرطقة في الغرب، رمسيس عوض، سيناء للنشر، القاهرة، مصر، و مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، ط، الأولى: 1997م.
13- دراسات قرآنية حول الإنسان والمجتمع- حسن سلمان، دار الفكر العربي، ط، الأولى: 2002م.
14- كلمات في الوعي، مسفر القحطاني، منشورات مؤسسة الإسلام اليوم ، السعودية،ط، الأولى: 1428هـ.
15- صناعة العقل، دور الثقافة والتعليم في تشكيل عقلك المبدع، كين روبنسون، ترجمة: رامة موصللي، شعاع للنشر والعلوم، سورية، حلب، ط، الأولى: 2003م.
16- حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر، مجموعة مؤلفين، (ندوة) مركز دراسات الوحدة العربية، ط، الأولى: 2005م.
17- مستقبل الإسلام، مجموعة مؤلفين، دار الفكر بدمشق، ط، الأولى:2004م.
18- من فقه الحالة، عمر عبيد حسنه، المكتب الإسلامي بيروت، ط، الأولى: 2004م.
19- القرآن والسلطان، فهمي هويدي، دار الشروق المصرية، ط، الخامسة: 2002م.
20- سنابل الحكمة، رضا ديب عواضة، منشورات رشاد برس، لبنان، بيروت، ط، الأولى: 1999م.
21- المعجم الفلسفي، مراد وهبه، دار قباء للتوزيع والنشر، مصر، 1998م.
22- العرب وتحولات العالم، من سقوط جدار برلين إلى سقوط بغداد، برهان غليون، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط، الثانية: 2005م.
23- الحرية في الإسلام، محمد الخضر حسين.
24- حرية الفكر في الإسلام، عبد المتعال الصعيدي.
25- خبز وحرية، محمد قطب.
26- ثقافة كاتم الصوت، حلمي سالم، سلسلة: مبادرات فكرية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ط، الأولى: 2003م.
27- الحرية السياسية في الإسلام، أحمد شوقي الفنجري.
28- ميادين الحرية، يوسف ميخائيل أسعد.
29- التعليم والحرية، فلسفة هوراس فان في تربية الأحرار، إعداد: لورنس كريمين، ترجمة: محمد فتحي الشنطي.
30- مشكلة الحرية في الإسلام، جميل منينة.
31- عبد العزيز الثعالبي رائد الحرية والنهضة الإسلامية، أنور الجندي.
32- الحرية في الفلسفة اليونانية، محمود مراد.
33- مفردات ألفاظ القرآن الكريم، الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان داوودي، دار القلم بدمشق، الدار الشامية ببيروت، ط، الثانية:1997م.
34- مـطالعات وتـأملات، رجاء النقاش، دار أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، مصر، القاهرة، ط، الأولى: 2004م.
35- الحرية واحترام إرادة الإنسان، (مقال)عن: مبادئ النهوض الاجتماعي، مطبوعات البلاغ” نت”.
36- القبيلة والمجتمع لغة الصمت، (مقال)، عبد الله الغذامي، صحيفة الرياض السعودية، 24/4/2008م.
37- الحرية.. تكليفات وليست حقوقا ، نشأت جعفر (بحث)، موقع” إسلام أون لاين”نت”، 28/11/2004م.
38- حرية الفكر في الواقع العربي المعاصر، رفيق حبيب، (مقال)، موقع: البلاغ” نت”.
39- حرية المرأة حرية للرجل، بلقيس حميد حسن، (مقال)، موقع: البلاغ” نت”.
40- أزمة الحرية الأكاديمية في العالم العربي، محمد مسعد ياقوت، (مقال)، شبكة نور الإسلام”نت”، 8/1/1429هـ.
41- في معنى الحـرية (مقال مطول)، مجلة الكلمة- “نت”.- مجلة فصلية تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدد الحضاري-.
42- قيود على حرية البحث العلمي في العالم العربي، نجلاء حمادة، (مقال)، موقع: البلاغ”نت”.
=======
* مصدر صورة المقال: (هنا)
* مصدر الصورة الثانية: مدونة جدران بيروت. (هنا)