•إشـراقة:
“ إن أعظم الرجال والنساء الذين يحملون أعظم الأفكار يمكن أن يوقفهم أصغر الرجال والنساء الذين يملكون أصغر العقول؛ احـمل أفكـاراً عظيمة على أيـةِ حـال!”.
(ستيفن كوفي، كتابه:”الـعادة الـثامنة”).
أن يراعي المرء ذوق المحيط.. ذوق البيئة.. يعني أن “يتناغم” مع الوجود بانتباهة وعي فائق، أن يرقص مع ذاته من خلال رقصةِ الآخَرين حوله، فيكون هو الراقص في الحال والمآل.. الرائي والمرئي..
إلا أن اشتباكا رئيسا يحصل هنا بين أفقِ الفهم لهذا الانسجام المطلوب مع مفهوم الذوبان المفروض والمرفوض. فوحدةُ الوجُود بين البشري والبشري التي يتماهى فيها الكائن الفرد مع مُفردةٍ وجوديةٍ أخرى يرى فيها ذاتـه منصهرةَ الوجود في غيرها، تُنشئُ ذواتٍ “حُلوليةٍ ناسُوتية” تتجلى في مصاديق الحيوات المعيشة: ألم ترَ يا صديقي أن محيطك ذات زمن أرادكَ أن تتنفس مثل الجميع! أن تحاكي هدير المجموع.. حتى في تصوراتِ فاهِـمتكَ العاقلة؛ ألم تشعر وقـتذاك أنك كائن مندحرُ القيام الحي، شاخصٌ فحسب بجسدك كآلةٍ مخلوقة لكي تُحركها مشيئةُ: “ما يطلبه المشاهدون!”.
السعي إلى “تنميط البشر” هو فرض إيديولوجي يستهدف حالة”التَّكَثُّر” الكوني السيالة؛ تلك الحالة القائم عليها الوجود المتعدد طبيعيا، والقائم عليها الوجود الثقافي تعدديا. كلا المجالين يعزفان أنغومةً ممتدة نحو الأعلى.. نحو المطلق.. نحو الخلود.. بدون تناقضية تذكر.
ليست “إيديولوجيا التطابق” والتماهي في اليومي المعيش حالة كونية موجبة إنها شأن تربوي في الوصف الأدنى، وشأن فلسفي وجودي في التصعيد الأسمى للمُشكل؛ فالإداري الذي يستطفل من حَولهُ لإشباع نهم أنانيته وشخصانيته على أكتاف الضعفاء والمحرومين …يعاني من تصدع في وجوده الكوني. والاقتصاد الذي يجعل المال دُولةً بين الأغنياء-(=نخب المال)-فحسب يعاني هو الآخر من أزمة مع الكون الطبيعي… وهكذا كل خدش للقِيَم ومعاييرها في كل مصاديق الوجود هو خدش للهُوِيَّة.. والهوية الإنسانية.. قبل أن يكون خدشا لأي عنصر آخر. لذلك نقول إن إيديولوجيا “التماهي الناسوتي” حالةٌ كونية سالبة.
لا يدرك “العقل الاستطفالي” فداحة ما يقوم به لأنه في حالة سُكْرٍ وجودي بوجوده.. لم يُولَد بعد.. يعاني من الوحدة في رحم ذاته، والمصيبة أنه يظن أن الكون كله هو الرحم التي تحويه.. لكنه يستفيق غالبا في حالة خِدَاج.. صفحةُ الحياة ستبدو على خلاف ما يتصور ويريد.. فستكون له صفحة الحياة.. صفعة!
إن الانشطار الذي تحدثه الرغبة في تشطير ذوات الغير لتسطيرها على هوى الرغبات الجائعة تفقد كل استطفاليٍ معنى الحياة.. معنى الحب.. معنى الخير.. معنى الجمال..ليكون استطفاله واستحقاره واستصغاره لوجودٍ ما؛ هو دركتهُ في العمى الكوني الذي يعيشه.
الذات العربية والمسلمة تعاني استطفالا كونيا قسريا من كل اتجاه –بدءا باستطفالها لذاتها المتآكلة داخليا- بحيث تشكل ظاهرة الاستطفال للعقول مهمة يصعب لملمة مصاديقها وواقعاتها.
إلا أن من مفاتيح يقضتها أن تعي <فلسفة الاستطفال>!
أمسكتُ ذات يومٍ بقلمٍ متأملا في دولة من دول شرق آسيا قامت بصناعته فقلتُ: يا إلهي إنه صُنعَ في دولة كذا ؟ فقال لي طفلٌ في العاشرة من عمره مستنكرا عليَّ: يا أستاذ: “نـحن لـم نـصنع الإنـسان بـعد!”-في حكمة جرت على لسانه-. فعرفتُ مِن هذا “الطفل!” الخطوة الأولى التي يجب أن نسلكها ضد جبهةِ استطفالِ العقول!..”إعادة صياغة الإنسان” هي أولى المهام ▪
_______