يٌعتبر التلمود أحد أعمدة الفكر اليهودي عامة والصهيوني خاصة، ولا عجب أن يصدر عن قادة العالم من اليمين المتطرف -مثلا- في أمريكا دلائل وتصريحات تشي بالعلاقة الإيديولوجية بين المتن التلمودي والسلوك السياسي الأمريكي أو بيان مواقف تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي.
لكن يا ترى هل ثمة ما يدفع في المتن التلمودي بسياسات الإقصاء والعنصرية زخما سلوكيا، وأدلجة على المستوى الاجتماعي والقانوني والإنساني عامة؟
هذا ما ستحاول إيضاحه السطور التالية..
نصوص العنصرية في التلمود
تحاول هذه المقالة الموجزة الوقوف على نماذج مختارة من المتن التلمودي تبين العلاقة الوطيدة بين سياسات الإقصاء والعنصرية الكامنة في العقل اليهودي التلمودي وبالتالي في العقل اليميني المسيحي الـمُبتَلع من قِبل العنصرية التلمودية اليهودية.
(1) صورة محمد ﷺ في الذاكرة التلمودية
نشير هنا إلى أن اليهود أدخلوا المسلمين في التلمود عن طريق «الملاحق» التي أضيفت فيما بعد، ذلك أن الرسول ﷺ لم يُبعث إلا بعد أن تم تدوين التلمود عام 588م.
يقول التلمود في لهجة إقصائية:
“يا أبناء إسرائيل، اعلموا أننا لن نفي محمدا حقه من العقوبة التي يستحقها، حتى لو سلقناه في قدر طافح بالأقذار…“
سفر (حاوا وحار) [1]
(2) أرواح غير اليهود
وفي نص يصف البعد الأنطولوجي للـ أغيار عن اليهود بأنها أرواح شيطانية، الشر كامن في ماهيتها الوجودية، وبالتالي يكون البشر وحدهم هم اليهود.
ولك أن تتخيل حجم ما يترتب على ذلك الاعتقاد من تمثلات ذهنية، وسلوكات عملية واجتماعية:
“تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله!.. لأن أرواح غير اليهود أرواح شيطانية“
أوغست روهلنج [2]
(3) موت الضمير السلوكي
حينما تتخلخل القواعد التي تحكم التعاملات اليومية مع أسس القيم الخُلقية التي من المفترض أنها قيم كونية عابرة للقوميات والجنسيات.. وتقزيمها لا بل وتشويهها إلى أن تصبح قيم تحمل بداخلها كل شيء إلا صفة القيمية، تكون أمام مشروع هدم إنساني بامتياز.
تأمل أبعاد هذا النص التلمودي في سلوك السرقة: “إن السرقة غير جائزة من الإنسان(=أي من اليهودي!) أما الخارجون عن دين اليهود فسرقتهم جائزة“[3]. وقل مثل السرقة كذلك في سلوك الربا والنفاق والكذب والزنا واللقطة والغش وامتلاك أراضي الأغيار، وكلها ترد في نصوص تلمودية.
(4) العالم الآخِر خاص باليهود!
والخطير كذلك في الذهنية التلمودية هي امتداد هذا التصور الإقصائي ليمتد إلى عدم استحقاق غير اليهود للجنة الموعودة: “لا يدخل الجنة إلا اليهود! أما الجحيم فهو مأوى الكفار!“[4].
الأدلجة الإقصائية في التلمود
من خلال هذه النصوص لعل ثمة تساؤل يمكن أن يطرح هنا..
ما هو العنصر الثاوي في العقلية التي تصدر عن مثل هذه الأدلجة الإقصائية؟
لست ممن يحاولون تفسير الظواهر بسبب أحادي -حتى لو كان هذا السبب دينيا كما هو الحال هنا- لكن مما لا يُختلف فيه أن العنصر الديني عنصر قوي وعامل جوهري في حركة الإنسان التصورية عن العالم، وذلك عبر عدة مفاهيم مثل
- مفهوم المقدس والمدنس في الفكر الغربي
- الأخيار والأغيار في الفكر اليهودي
- النسبي والمطلق في الفلسفات الشرقية
- المهتدين والضالين في الفكر الإسلامي.
كلها مفاهيم يمكن وصفها بأنها مُحدِّدات للتصورات الكونية عن الوجود والحياة والإنسان والشعوب، وبالتالي تضفي على سلوك الكائن الإنساني أبعادا سلوكية، ومواقف يومية.
ومن هنا تأتي خطورة فحص البِنية المفاهيمية التي تنطلق منها أمثال العنصريات التلمودية اليهودية، إنها علاقات تؤرق إنسان الحاضر كما أرقت إنسان الماضي.
أليس إنسان اليوم يؤرقه سؤال المشترك الإنساني، وحق العيش المشترك؟
أليس ثمة دعوة لبناء المواطن العالمي؟
أليس هناك سعي حثيث إلى الحواريات الحضارية والدينية؟
لكن لا يمكن تحقيق كل ذلك ما لم يتم فحص البنية المفاهيمية التي تؤطر التعدديات الإثنية والدينية في المجتمعات المعاصرة.
______________
*الإحالات:
[1] علال الفاسي، ندوة المحاضرات لموسم الحج 1391هـ، عن: سفر (حاوا وحار) عام 1957م. يُـنظر: العنصرية اليهودية، أحمد الزغيبي، مكتبة العبيكان، الرياض-السعودية، 1/108.
[2] يُنظر: أوغست روهلنج، الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص75.
[3] المرجع السابق، ص79.
[4] المرجع السابق، ص68.
*مصدر صورة المقال (russia-now) (هنا)