لا أظن صيرورة الحياة تتنقل من اتجاه إلى اتجاه بشكل منفصل وجذري بالشكل الذي يتصوره الذهن الإدراكي في عملياته العقلانية المستمرة لتلك الصيرورة؛ نظن في أحايين كثيرة أن ما نعتبره تغييرا جوهريا في موقف ما قد نقلنا إلى اتجاه آخر؛ فيتضح بعد برهة من الزمن أن النقلة لم تكن كما توقعها ذهننا.
لا شك أن بعض المواقف لها أثر وقوة دافعة باتجاه ما، وهذا شأن يختبره كل منا في حياته اليومية، بل صفحة التاريخ مليئة بمواقف دافعة نحو تغيير وتغير لم يكن في الإدراك الفردي أو الوجدان الجمعي.
ما يعنيني هنا هو محاولة استبصار الذات بذاتها في ظنونها وحدوسها ومبالغاتها بشأن ما تختبره في حياتها اليومية. تأمل مستوى الـ”انفعال الموقفي” الذي تعطيه لحادث يومي عابر، يستفزك سائق متهور، أو بائع لا يتسم باللطف، أو مسؤول لا يتصف بالثقة المتبادلة أو التلقائية الصادقة… .
ثمة ما يمكن أن يكون درعا وقائيا يوميا يمكن للإنسان ارتداؤه حين استيقاظه من النوم إلى خلوده مرة أخرى سرير نومه: أن يمتلك “عين الصقر” التي تنظر إلى المشهد من علو سماء الذات. لا شك أن امتلاك عين الصقر وأنت في أرض المعاش اليومي مهمة سهلة وصعبة في آن. ذلك أن زحمة التفاصيل اليومية وانفعالاتها المتعددة والمتنوعة والمتضاربة عقبة في طريق النظر إلى جغرافية الذات من العلو بعين الصقر.
الأمر الذي يجعل مهمة النظر الشمولي بـ “عين الصقر” مهمة ممكنة هو الواقع ذاته بما فيه من ممكنات تجاوزية؛ وقدرة العقل البشري على افتعال المساحات الإدراكية، والتقصي العلائقي.
يمكن لأداة الإرادة و”الاختيار الإنساني” أن تكون عونا على الإمساك بزمام الذات في مساحة التوازن العام، والتكيف اللحظي والمؤقت وربما التكيف المديد: أن تختار ما يمكن وصفه بـ”معارك حياتك” يعني أن تضرب صفحا وتتغافل وتتجاهل تلك المشتتات على جنبات الطريق التي تحاول لفت انتباهك عبر المجتمع أو وسائل الإعلام أو سطوة السائد، وهيمنة الموضة، وضغط العام.
اختيار المعارك يعني أنك في طريق الـ “تركيز” على وُجهتك، التركيز هو بوابة الـ “إتقان“، والإتقان لا يساوي السيطرة على التفاصيل؛ فالتفاصيل لا يمكن السيطرة عليها -كما توهِمنا بعض الأدبيات النفسية الشعبية- مهمتك أن تجد الوحدة والشمول في مضامين التفاصيل، أن تتحلى برؤية للوجود والحياة تتسم بالتكامل الدائم والسير الحثيث تجاه معاركك الحقيقية التي لا يعرفها أحد سواك أصالة.
_____
مصدر صورة المقال: هنا