وجود الكائن البشري عبر تاريخه الطويل مُحمَّل بسيميائيات لا يمكن الفِرار من الإقرار بواقعيتها: لعل نظرة على حلقات التاريخ البشري الكبير تولِّد إقرارًا بأن الحرب والسلام، الألم والعافية، القبيح والجميل، الحقارة والنبل، الطمع والكرم…، قد تساوقت في مسيرة هذا الكائن. هذه حقيقة لا تحتاج لبرهنة بقدر ما هي تذكير بِكينونة تاريخية قارَّة.
هناك أداتان تضيء فهم الإنسان للإنسان؛ الأولى: اللغة التعبيرية المتنوعة لدى البشر عبر التاريخ الثقافي، والثانية: قوة الخيال التركيبية عبر التاريخ الطبيعي، كلاهما أضافا للوجود البشري أبعادًا لم يكن كما هو اليوم لولاها.
أليست اللغة والخيال امتياز بشري بهذا الوصف؟
طبعا، هما امتيازان بقدر ما هما عبء وجودي!
فاللغة المنطوقة التي يُعبِّر بها البشر عن جمالهم واحتياجاتهم هي هي ذات اللغة المُحمَّلة بمعوِّقات في تعايشهم، هي ذات اللغة التي تصنع الحروب، بسبب سوء التواصل تارة، وعبر قصورها البِنيوي إذا كانت وسيطًا وحيدًا للنظام التواصلي كذلك. لكن الخبر السعيد أن اللغة المنطوقة ليست النظام الوحيد للتواصل.
أما قوة الخيال التي تتكشف في اللغة المنطوقة والمكتوبة الدقيقة تارة والمخاتِلة تاراتٍ كثيرة؛ الخيال الذي لا يكف عن إمداد الكائن البشري بأسمى نماذج الإبداع الحياتي زراعيًا وتقنيًا وطبيًا… هو ذات القوة التي ترسم حاضر الوضع البشري، وتتخيل مستقبلها فيه، عبر خيالات السيطرة وأوهام التحكم في التفاصيل البشرية السائلة.
من من وجة نظر أخلاقية كذلك؛ فإن غرور الكائن البشري ونبله يتكشَّف عبر خيالاته؛ الخيال هو لغة رئيسة في الذهن البشري: وكلما اقترب البشر من لغة الذهن والخيال؛ كلما ارتقى وعي البشر بوجودهم.
*****
- مصدر صورة المقال: Photo by: Andrew Ebrahim on Unsplash