قُـرآنيات

فَـلسَفةُ الـكَدْح في القُرآن

“غـلبةُ الـمسلمين إنـما تـمت بقـوةٍ في ذاتِ عقيدتـهم”!

      عبد الـمجيد عمر النجار  [مباحث في منهجية الفكر الإسلامي، ص51 ].

    روح المساءلة وجوهرها، إذا نُظِرَ إليهما على أنهما من روافـد المتطلبات بين الأنا الفردية والذات الجماعية وثنوياتها، عرقل ذلك طريق البحث الجذري في مكنونات النفس البشرية، وضمائر الشعوب والمجتمعات الإنسانية الحية؛ وعلى مر التأريخ يشهد الوجود البشري لموجود هو في ظرفياته يأبى النزوع والاقتلاع الجذري من هذه الظاهرة الفريدة من نوعها: الإنسان!
    إن مساحات التحييد للإنسان، أيا كان هذا الإنسان دينًا، وانتماء، وبلدًا؛ إذا مُسَّتْ كرامته فإنه حتما سيعيد النظر لذاته وهويته لصورته الشخصية ومادته الاجتماعية- هذا إن كانت فيه بقية من حياة-؛ وسيعيد النظر في صورة الآخر الفردي، ومادةُ الآخر الجماعي.
    تحـيـينُ الوجود: الذي يتطلب الاجتهاد في مجموعات من العناصر والأسئلة للتمكن من خلالها في تجاوز كثير من مظاهر التسطيح التحليلي للظواهر والأشياء التي تعج بها سوحنا العربية؛ يتطلب الإمساك بزمام”آيات الأنفس” الربانية: آيات حقول المفاهيم الإدراكية، والتصنيع المفاهيمي المحقلنةِ بنبط التفكير الغائر، والمؤطرةِ بـ التِّـدكار في التِّـذكار لأفعال التاريخ، وتاريخها السياسي والثقافي والطبيعي، والشاخصةِ لإدراك السنن الإلهية في صيروراتها عبر المجتمعات البشرية، إضافة إلى معرفة تنميطاتها الثقافية لموروثاتها، وأحوالها في تجارب الأمم الدينية في علائقها بالماورائيات بكل أطيافها، وما يلحق حولها من مهاترات، وتجليها في أوضاع البشر اليومية في اقتصادياتها بحلوها ومرها.
    كل هذه القائمات في الوجود الإنساني تجاوزها لإدراك المستكن فيها، والخارج عنها، والمركب منها، وطريقة الناظر فيها، وسيميائيته الإبستمولوجية/المعرفية، يتبدى في عملية“كـدح” لا تنتهي: إنها تتطلب الملاحقة المستمرة بين ثنائية الباحث والمبحوث، والراغب والمرغوب، العاشق والمعشوق، المحب والمحبوب: الإنسان هو الباحث وهو محل البحث هو الراغب وهو محل الرغبة هو العاشق وهو محل العشق هو المحب وهو محل المحبة…إلخ تجليات أفعالِ”أكداحه”. ففي مُكادحاتهِ سر “انشقاق” وجوده في عالم الشهادة عالم الاستخلاف! فبين(الانشقاق=اسم السورة + والكدح=فعل السورة) سر وصفه بالكدح لأنه قائم بأدواره في عالم الشهود، أي أنه مستجيبٌ فطرة لـ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا[=النتيجة الحتمية] فَـمُـلاقِـيهِ[سورة الانشقاق:6]. الأمر الذي يعني أن: النجاعة في الـتـأصـيل لا قيمة لها إن لم تلحق ببراعة فـي التوصـيـل!
    أي أن (الإيمان الصادق + العمل الصالح = الوجود الإنساني الحقيقي).
    نعم، في ذات الإنسان في داخله العميق الغامض، حيز لا يستطيع الخداع أن يتسرب إليه، إنها منطقة حرام، مقدسة الجنبات، كـأنما أحاطها الله بأسوار وحواجز لا يمكن أن تخترقها قوة الشياطين، كأنما بصيص الكرامة الربانية يقول: سأبقى رغم محاولة نفيي من الوجود لأنني مودعة في كل إنسان بأمر رباني أزلي؛ لذا سأبقى أكـدح إليه!

________
* حقوق الصورة البارزة للمقال:
Photo by Gratisography 

مشاركة هذه التدوينة
Share on email
Email
Share on whatsapp
Whatsapp
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on print
Print
تقييم المقالة
1 (لا توجد تقييمات حتى الان)
Loading...
قد يعجبك أيضًا
منزلة الــحَيْرة
(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى): وقفات تأصيلية
البيان القرآني

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني