استشراقيات مقالات

العقل التساؤلي: تجربة جفري لانج مع الإيمان


     يعتبر عالم الرياضيات الأمريكي-من أصل ألماني- المعاصر جفري لانج 1954 jeffrey Lang أنموذجًا للتحولات الفكرية التي تستحق التأمل. حيث اعتنق الإسلام قادمًا من أزمة إلحادية إبَّان مراهقته- رغم أنه من أسرة مسيحية- لكنه لم يكن يدين بها سوى بالانتماء الأسري فحسب.

 جفري لانج (1954-…) jeffrey Lang

    والمحطة الرئيسة في حياة لانج – والتي تعنينا- ليست رواية إسلامه وسردياتها، بقدر طريقة تناوله للإسلام وكيفية إقباله على القرآن الكريم. ذلك أن إسلامه يمكن لنا وصفه بسمتين:

(1) السمة الأولى: أنه تحول فكري لأكاديمي ينتمي لتخصص تجريدي رياضي، فلانج أستاذ رياضيات جامعي. فإسلامه إسلام النخبة الأكاديمية.

 (2) والسمة الثانية: أنه أقبلَ على رؤية الإسلام عبر بوابة “التساؤل” المعرفي العقلي. فإسلامه إسلام الأسئلة الفلسفية الكبرى.

    وإسلام لانج كان عبر التجربة المعرفية المباشرة مع القرآن الكريم، الأمر الذي يجعل لتجربته فرادة منهجية، حيث أن “الافتراضات المسبقة” والصورة النمطية عن الديانات وكتبها، كانت حاضرة في ذهن لانج حين ولوجه التأملي العابر للنص القرآني-والذي ما لبث أن انشده فؤاد لانج إليه ليصبح إسلامه  فيما بعد خيارًا حرًا عن عقل مفكر-. وتجاوزه لعقبات الإسقاطات النفسية المسبقة على القرآن الكريم جعله يدخل في ديالكتيك حقيقي وحوار جُواني مع النص الجديد.

    إن أبرز المحطات المنهاجية التي جعلت لانج يعطي القرآن الكريم مساحة من حياته لتصحيح مساره الفكري بكامله، تتمثل في  أن القرآن:

(1) نص يخاطب القارىء مباشرة دون حجب الوسائط.

(2) ويجعل قارئه يسائل نفسه عبر ترحال تفكري حواري.

(3) وبالتالي يعطي مكانة للإنسان في منازل الوجود شريفة لا بل يجعله خليفة في إعمار الأرض بالخير والطاعة (إني جاعل في الأرض خليفة). خلافًا للمسيحية الـمُحدَثة التي تجعل من الوجود الإنساني على الأرض خطيئة دائمة وأصيلة في الجنس البشري.

(4) ثم إن الملائكة تسأل الله، وفي مطاوي أسئلتها الموجزة والعميقة نجد مؤرقات الإنسان المعرفية في أسئلته الكبرى (من؟ وماذ؟ وكيف) }…أتجعل فيها من يفسد؟{.

(5) عبر تسلسل حواري يخلب اللب في قضايا القرآن وموضوعاته الكبرى، وقوة في تفجير ممكنات الإنسان وإرادته عبر استثارة مكامن الجمال والجلال في النفس والكون الأمر الذي يبعث ندى الروح ويسبل ثوب السكينة على الروح.

(6) ولئن كان الإلحاد خيارًا يطرح دوما التشكيكات في الوجود الإلهي، فإن لانج وبفضل الروح القرآنية انقلب بأداة التشكيك على الإلحاد ذاته مُشككِّا، ليبدأ في تصديع خياره الإلحادي، قائلا أن: “عدم وجود شك في وجود الله، لا يعني وجود سبب للإيمان به”.

(7) فكأنه يشير بتجربته ورحلته الفكرية إلى أن الـ إيمان، أصيل في الماهية الإنسانية (=المكون الجواني نحو المطلق=الله).

مشاركة هذه التدوينة
Share on email
Email
Share on whatsapp
Whatsapp
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on print
Print
تقييم المقالة
1 (لا توجد تقييمات حتى الان)
Loading...
قد يعجبك أيضًا
الأخلاق والطبيعة: بين التقديس والتدنيس
البيان القرآني
الهروي وفهرس المستشرقين في الحديث

أكتب تعليق

تعليقك*

اسمك *
موقعك الإلكتروني